بسم الله الرحمن الرحيم
حين
تقع في المعصية و تلم بها فبادر بالتوبة و سارع إليها , و إياك و التسويف
و التأجيل فالأعمار بيد الله عز وجل , و ما يدريك لو دعيت للرحيل و ودعت
الدنيا و قدمت على مولاك مذنبا عاصي ,ثم أن التسويف و التأجيل قد يكون
مدعاة لاستمراء الذنب و الرضا بالمعصية , و لئن كنت الآن تملك الدافع
للتوبة و تحمل الوازع عن المعصية فقد يأتيك وقت تبحث فيه عن هذا الدافع و
تستحث هذا الوازع فلا يجيبك .
لقد
كان العارفون بالله عز و جل يعدون تأخير التوبة ذنبا آخر ينبغي أن يتوبوا
منه قال العلامة ابن القيم \" منها أن المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض
على الفور , و لا يجوز تأخيرها , فمتى أخرها عصى بالتأخير , فإذا تاب من
الذنب بقي عليه التوبة من التأخير , و قل أن تخطر هذه ببال التائب , بل
عنده انه إذا تاب من الذنب لم يبقى عليه شيء آخر .
ثبت
في الصحيحين عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : " لله أشد فرحا بتوبة عبده
حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة , فانفلتت منه , و عليها
طعامه و شرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته –
فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح
اللهم أنت عبدي وأنا ربك – أخطأ من شدة الفرح – "
سبحان
الله ... و ما أجمل تلك الحكاية التي ساقها ابن القيم رحمه الله في مدارج
السالكين حيث قال : " و هذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين أنه
رأى في بعض السكك باب قد فتح و خرج منه صبي يستغيث و يبكي , و أمه خلفه
تطرده حتى خرج , فأغلقت الباب في وجهه و دخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف
متفكرا , فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه , و لا من يؤويه غير
والدته , فرجع مكسور القلب حزينا . فوجد الباب مرتجا فتوسده و وضع خده على
عتبة الباب و نام , و خرجت أمه , فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت
نفسها عليه , و التزمته تقبله و تبكي و تقول : يا ولدي , أين تذهب عني ؟ و
من يؤويك سواي ؟ ألم اقل لك لا تخالفني , و لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف
ما جبلت عليه من الرحمة بك و الشفقة عليك . و إرادتي الخير لك ؟ ثم أخذته
و دخلت .
فتأمل قول الأم : لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة والشفقة .
و تأمل قوله صلى الله عليه وسلم " الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها " و أين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء ؟
فإذا أغضبه العبد بمعصيته فقد أستدعى منه صرف تلك الرحمة عنه , فإذا تاب إليه فقد أستدعى منه ما هو أهله و أولى به .
فهذه تطلعك على سر فرح الله بتوبة عبده أعظم من فرح الواجد لراحلته في الأرض المهلكة بعد اليأس منها .
كيف أتوب؟
1-
أصدق النية وأخلص التوبة: فإن العبد إذا أخلص لربه وصدق في طلب التوبة
أعانه الله وأمده بالقوة، وصرف عنه الآفات التي تعترض طريقه وتصده عن
التوبة.. ومن لم يكن مخلصاً لله استولت على قلبه الشياطين، وصار فيه من
السوء والفحشاء ما لا يعلمه إلا الله، ولهذا قال تعالى عن يوسف عليه
السلام: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين [يوسف:24].
2-
حاسب نفسك: فإن محاسبة النفس تدفع إلى المبادرة إلى الخير، وتعين على
البعد عن الشر، وتساعد على تدارك ما فات، وهي منزلة تجعل العبد يميز بين
ما له وما عليه، وتعين العبد على التوبة، وتحافظ عليها بعد وقوعها.
3-
ذكّر نفسك وعظها وعاتبها وخوّفها: قل لها: يا نفس توبي قبل أن تموتي ؛ فإن
الموت يأتي بغتة، وذكّرها بموت فلان وفلان.. أما تعلمين أن الموت موعدك؟!
والقبر بيتك؟ والتراب فراشك؟ والدود أنيسك؟... أما تخافين أن يأتيك ملك
الموت وأنت على المعصية قائمة؟ هل ينفعك ساعتها الندم؟ وهل يُقبل منك
البكاء والحزن؟ ويحك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك، وتقبلين على
الدنيا وهي معرضة عنك.. وهكذا تظل توبخ نفسك وتعاتبها وتذكرها حتى تخاف من
الله فتئوب إليه وتتوب.
4-
اعزل نفسك عن مواطن المعصية: فترك المكان الذي كنت تعصي الله فيه مما
يعينك على التوبة، فإن الرجل الذي قتل تسعة وتسعون نفساً قال له العالم: {
إن قومك قوم سوء، وإن في أرض الله كذا وكذا قوماً يعبدون الله، فاذهب
فاعبد الله معهم }.
5-
ابتعد عن رفقة السوء: فإن طبعك يسرق منهم، واعلم أنهم لن يتركوك وخصوصاً
أن من ورائهم الشياطين تؤزهم الى المعاصي أزاً، وتدفعهم دفعاً، وتسوقهم
سوقاً.. فغيّر رقم هاتفك، وغيّر عنوان منزلك إن استطعت، وغيّر الطريق الذي
كنت تمر منه... ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: { الرجل على دين خليله،
فلينظر أحدكم من يخالل } [رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني].
6-
تدبّر عواقب الذنوب: فإن العبد إذا علم أن المعاصي قبيحة العواقب سيئة
المنتهى، وأن الجزاء بالمرصاد دعاه ذلك إلى ترك الذنوب بداية، والتوبة إلى
الله إن كان اقترف شيئاً منها.
7- أَرِها الجنة والنار: ذكّرها بعظمة الجنة، وما أعد الله فيها لمن أطاعه واتقاه، وخوّفها بالنار وما أعد الله فيها لمن عصاه.
8-
أشغلها بما ينفع وجنّبها الوحدة والفراغ: فإن النفس إن لم تشغلها بالحق
شغلتك بالباطل، والفراغ يؤدي إلى الانحراف والشذوذ والإدمان، ويقود إلى
رفقة السوء.
9-
خلف هواك: فليس أخطر على العبد من هواه، ولهذا قال الله تعالى: أرءيت من
اتخذ إلهه هواه [الفرقان:43]. فلا بد لمن أراد توبة نصوحاً أن يحطم في
نفسه كل ما يربطه بالماضي الأثيم، ولا ينساق وراء هواه.
10-
وهناك أسباب أخرى تعينك على التوبة غير ما ذُكر منها: الدعاء الى الله أن
يرزقك توبة نصوحاً، وذكر الله واستغفاره، وقصر الأمل وتذكر الآخرة، وتدبر
القرآن، والصبر خاصة في البداية، إلى غير ذلك من الأمور التي تعينك على
التوبة.
شروط التوبة
وأما شروط التوبة فهي التي لا بد منها لقبول التوبة عند الله وهي:
1
ــ الإقلاع عن المعصية أي تركها فيجب على شارب الخمر أن يترك شرب الخمر
لتُقبل توبته والزاني يجب عليه أن يترك الزنا، أما قول: أستغفر الله. وهو
ما زال على شرب الخمر فليست بتوبة.
2ــ
العزم على أن لا يعود لمثلها أي أن يعزم في قلبه على أن لا يعود لمثل
المعصية التي يريد أن يتوب منها، فإن عزم على ذلك وتاب لكن نفسه غلبته بعد
ذلك فعاد إلى نفس المعصية فإنه تُكتب عليه هذه المعصية الجديدة، أما
المعصية القديمة التي تاب عنها توبة صحيحة فلا تكتب عليه من جديد.
3 ــ والندم على ما صدر منه، قلت لأنس بن مالك رضي الله عنه : أقال النبي صلى الله عليه وسلم : الندم توبة ؟ . قال : نعم
الراوي: أنس بن مالك المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 4/122
خلاصة حكم المحدث: [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]
4
ــ وإن كانت المعصية تتعلق بحق إنسان كالضرب بغير حق، أو أكل مال الغير
ظلمًا، فلا بدّ من الخروج من هذه المظلمة إما برد المال أو استرضاء
المظلوم؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من كان لأخيه عنده مظلمة،
فليتحلله قبل أن لا يكون دينار ولا درهم« رواه مسلم رحمه الله.
5
ــ ويشترط أن تكون التوبة قبل الغرغرة، والغرغرة هي بلوغ الروح الحلقوم،
فمن وصل إلى حدّ الغرغرة لا تقبل منه التوبة، فإن كان على الكفر وأراد
الرجوع إلى الإسلام لا يقبل منه، وإن كان فاسقًا وأراد التوبة لا يقبل
منه؛ وقد ورد في الحديث الشريف: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر«
رواه الترمذي وقال حديث حسن.
ويشترط أن تكون قبل الاستئصال، فلا تقبل التوبة لمن أدركه الغرق مثل فرعون لعنه الله
وكذلك
يشترط لصحتها أن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها، لما صح عن النبي عليه
الصلاة والسلام: «إن في المغـــرب بابًا خلقــه الله للتوبة مسيرة عرضه
سبعون عامًا لا يُغلق حتى تطلع الشمس منه« رواه ابن حبان.
وقال
عليه الصلاة والسلام: «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه«
رواه مسلم.فمن أراد الله به خيرًا رزقه التوبة النصوح والكاملة والثبات
عليها حتى الممات.
إن
الله أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين فلا يقنطن المؤمن من رحمة الله وليتُبْ
إليه مهما بلغ عظم ذنوبه؛ فقد وردت قصة عن مسلم من بني إسرائيل قتل مائة
إنسان ثم سأل عالمًا: هل لي من توبة؟ قال له: ومن يحول بينك وبين التوبة،
اذهب إلى أرض كذا فإن بها قومًا صالحين، يعبدون الله تعالى فاعبد الله
معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه
الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة:
جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم
يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك بصورة ءادمي فجعلوه بينهم فقال: قيسوا ما بين
الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي
أراد، فقبضته ملائكة الرحمة. وفي رواية في الصحيح: فكان إلى القرية
الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها، وفي رواية فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر
فغفر له.
فما أعظم التوبة وما أسعد التائبين، فكم من أناس فاسقين فاسدين بالتوبة صاروا من الأولياء المقربين الفائزين.
24 نصيحة للأخوات التائبات
أولاً
: تمسكي بالقرآن الكريم ؛ فإنه ربيع القلوب .. ونور الصدور .. وجلاء
الهموم والغموم .. وبه تعلى الدرجات .. وتحط عنكِ به السيئات .. والميزان
!! الحرف بعشر حسنات ، والدليل قوله – صلى الله عليه وسلم – ( من قرأ
حرفاً من كتاب الله كان له بكل حرف عشر حسنات ) .
ثانياً : عليك بالسنة المطهرة.. فهي المعدن الأصيل والمرجع النبيل .. لكل مايخص الدنيا والدين .
ثالثاً: انصحك بالأستخارة .. ولا تنسي الاستشارة .. فإنه ما خاب من استخار .. ولا ندم من استشار .
رابعاً
: ابتعدي عن الرفيقات السابقات واستبدلي الذي هو أدنى بالذي هو خير ..
واختاري من قريناتكِ من تحمل من الأدب جله .. ومن العلم كله .. ودور
النساء مليئة .. وماعليك إلا الاختيار .
خامساً : حاولي أن تجاهدي نفسك في عمل الخيرات .. والبعد البعد عن جميع المنكرات .
سادساً : تواضعي ؛ فإن من تواصع لله رفعه .
سابعاً
: واظبي على صيام أيام الاثنين والخميس من كل أسبوع ، والأيام البيض من كل
شهر ، فإن الصيام ( لا مثل له ) كما أخبر بذلك المصطفى – صلى الله عليه
وسلم – .
ثامناً : خصصي وقتاً يسيراً لقراءة القرآن .. وطاعة الملك الديان .. ولمطالعة حديث .. ولسماع إن أمكن في كل يوم شريط ..
تاسعاً
: لا تتأثري بكلام من لا عزيمة لها .. واطمحي دوماً إلا العُلا .. واطمحي
دوماً إلى معالي الأمور واستعيني فيها بالعزيز الغفور .
عاشراً : احرصي على طلب العلم ؛ فإن الملائكة لتضع اجنجتها لطالب العلم رضاً بما يصنع .
الحادي عشر : أكثري من الأذكار والتسبيح والاستغفار .. فإنها حصن حصين وملاذ مكين .
الثاني عشر: انحصي من طلبت منك النصيحة ؛ ولكن بميزان العدل والأمانة .. وإياك ثم إياكِ من الخيانة .
الثالث عشر : إياك ثم إياك من الحسد رحمةً بي وبكِ ، وقد قيل ( لله در الحسد ما أعدله ، بدأ بصاحبه فقتله ) .
الرابع عشر : التحقي بالدور النسائية ، وثابري على الحضور فيها .. فإنه ما من خير إلا أعانتك عليه .. وما من شر إلأ حذرتك منه .
الخامس عشر : أحبي الصالحات وجالسي العالمات فالمرء يحشر مع من أحب .
السادس
عشر : ليكن لكٍ ضابط في أخلاقك وتعاملك مع الآخرين ، ولنا في نبينا محمد –
صلى الله عليه وسلم – خير قدوة وأحسن أسوة .. فقد كان خلقه القرآن ..
ولتضعي لكٍ ميزاناً شعاره الوسطية ، فلا إفراط ولا تفريط .
السابع
عشر : حاولي أن توصلي وجهة نظرك أو ما تريدينه من غيرك بأجمل عبارة وأحسن
أسلوب ، وابتعدي تماماً عن التجريح أمام الآخرين فإن هذا مما تنفر منه
النفس ، بل اختاري من العبارات ما توصل وجهة نظرك لمن أمامك حتى وإن كنتِ
تريدينه أن ينفذ ما تقولين فمثلاً : بدلاً من أن تقولي ( افعلي كذا كذا )
قولي ( أقترح أن تفعلي هكذا ) ولا تنتظري الرد بين غمضه عين وانتباهتها ؛
وسترين النتيجة سريعاً ، ويمكن أن تستخدمي السؤال لتلبية الطلب بطريقة
جميلة ، وإن كانت النتيجة قد تتساوى في الحالتين .
الثامن
عشر : احرصي على أداء الصلوات الخمس في وقتها بقلب خاشع خاضع مطمئن ، فهي
عمود الدين ، والصلة التي بين العبد وربه ، وهي وصية النبي – صل الله عليه
وسلم – قبل موته .
التاسع
عشر : الناس يحبون الفتاة التي تظهر الاهتمام بهم وبما يشغلهم وتراعي
شعورهم سواءً في الفرح أو في الحزن ، ، وإن لم تستطيعي فاحرصي أن تشعريهم
أن ذلك الأمر الذي أهمهم قد أهمكِ وأقضَّ مضجعكِ على الأقل ، وبالتالي
ترتفع منزلتكِ ومحبتكِ عند الله وعند المخلوقين ، وإن نَفَست ما حَلَّ بهم
كان لك من الأجر العظيم الشيء الكبير ، وقد قال النبي – صلى الله عليه
وسلم _ : ( أحب الناس إلى الله عزَّ وجل أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى
الله عزَّ وجل سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربه ، أو تقضي عنه
ديناً ، أو تطرد عنه جوعاً ، ولو أن تمشي مع أخيك في حاجته أحب إليَّ من
أن أعتكف في المسجد شهراً ) .
العشرون : ابتعدي عن الغضب فليس الشديد بالسرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب وعليكِ بالحلم والأناة .
الحادي
والعشرون : تذكري أن الرزق والأجل قرينان مضمونان ، فما دام الأجل باقياً
كان ارزق آتياً ، وإذ سَدَّ عليكِ بحكمته طريقاً من طرقهِ ؛ فتح لك برحمته
طريقاً أنفع لكِ منه ، وأعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم
يكن ليصيبك
الثاني
والعشرون : حققي شروط التوبة .. كما جاءت في القرآن والسنة : ألا وهي (
الندم على ما فات ، والإقلاع عن الذنب والعزم على عدم الرجوع إليه ، وأن
تكون التوبة خالصة لوجه الله وطلباً لما عند الله من الأجر ، وإرجاع
الحقوق إلى أهلها ) .
الثالث والعشرون : ليكن لسان حالكِ يقول :
يا من يرى مدَّ البعوض جناحها *** في ظلمة الليل البهيم الأليَلِ
ويرى عروق نياطها في نحرها *** والمخَّ في تلك العظام النُّحَّلِ
اغفر لعبد تاب من فرطاته *** ما كان منه في الزمان الأولِ
الرابع والعشرون : خاطبي نفسكِ وقولي لها :
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا *** وأعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا
أما ترين المنايا كيف تلقطنا *** لقطاً وتلحق أخرانا بأولانا
في كل يوم لنا ميت نشيعه *** نرى بمصرعه آثار موتانا
يا نفس مالي وللأموال أتركها *** خلفي واخرج من دنياي عريانا
أبعد خمسين قد قضَّيْتها لعباً *** قد آن أن تقصري قد آن قد آنا
ما بالنا نتعامى عن مصائرنا *** ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
نزداد حرصاً وهذا الدهر يزجرنا *** وكان زاجرنا بالحرص أغرانا
أين الملوك وأبناء الملوك *** من كانت تخر له الأذقان إذعانا
صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا *** مستبدلين من الأوطان أوطانا
خلوا مدائن كان العز مفرشها *** واستفرشوا حفراً غبراً وقيعانا
يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً *** ورافلاً في ثياب الغيِّ نشوانا
مضى الزمان وولى العمر في لعب *** يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا
منقول .................من موقع صيد الفوائد