تشتهر مدينة الإسكندرية الواقعة على البحر المتوسط بأنها كانت أحد المراكز الحضارية والثقافية الهامة في العالم القديم، واليوم تعتبر ثاني أكبر المدن المصرية. وقد بدأت مدينة الإسكندية، التي تُعرف بين أهلها بعروس البحر المتوسط، استعادة بريقها ورونقها الغابر مع إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة مرة أخرى لتكون مركزاً للإشعاع الحضاري والثقافي في العالم الحديث.
وتزهو مدينة الإسكندرية بمكتبتها القديمة، التي نشأت بها قبل ما يزيد على 2000 عام من اختراع شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، حيث عكف بها أشهر الفلاسفة والعباقرة اليونانيين، مثل أرخميدس وإقليدس وإراتوستينس، لإجراء بحوثهم ودراساتهم العلمية.
وكانت هذه المكتبة العظيمة تحوي ما بلغ 700 ألفاً من المخطوطات ولفائف البردي التي كانت تشتمل على كنوز المعرفة وأحدث ما توصل إليه العقل البشري في ذلك الزمان. ومع مرور الوقت تعرضت هذه المكتبة للتدمير والحريق في خضم الأحداث الدموية التي تعرضت لها مدينة الإسكندرية أثناء الصراع بين البطالمة والرومان، وأصبحت هذه المكتبة مجرد ذكرى.
استعادة التاريخ العريق
وقد تم إحياء مكتبة الإسكندرية منذ 10 سنوات في مبنى على شكل صدفة يتخذ موقعاً متميزاً على الكورنيش المطل على مياه البحر المتوسط، خلف مجموعة من أشجار النخيل. فقد شهد عام 2002 إعادة افتتاح مكتبة الإسكندرية في مكان قريب من الموقع الأصلي للمكتبة العتيقة في احتفال مهيب حضره نخبة من كبار الزعماء والمثقفين في العالم. وتعتبر المكتبة حالياً مقصداً للطلاب بصفة خاصة من جميع التخصصات، علاوة عن أنها تُعد من المزارات السياحية الهامة بمدينة الإسكندرية.
وقد أرادت مصر من خلال مشروع إحياء مكتبة الإسكندرية، التي تكلف ما يربو على 212 مليون دولاراً أمريكياً، استعادة التاريخ العريق لمدينة الإسكندرية، التي تم إنشاؤها على يد الإسكندر الأكبر عام 331 قبل الميلاد.
وتضم مدينة الإسكندرية الحديثة بموقعها الفريد على البحر المتوسط، العديد من المزارات الهامة الأخرى؛ نظراً لما تزخر به من أسواق وكنائس ومساجد، إضافة إلى الآثار القديمة التي تعود إلى العصر اليوناني والروماني.
مزارات أخرى
ويتمكن المرء من الوصول إلى الكثير من الأماكن السياحية سيراً على الأقدام انطلاقاً من وسط المدينة، حيث لا يستغرق الأمر سوى بضع دقائق حتى يعبر السائح ميدان التحرير ويجتاز العديد من الشوارع المزدحمة التي يكثر بها البائعون، حتى يصل أخيراً إلى الكورنيش، حيث تتبدى أمام المرء على طول ساحل البحر المتوسط صورة بانورامية رائعة لهذه المدينة الساحرة. وعند متابعة السير جهة اليمين فإن المرء يصل إلى مكتبة الإسكندرية، أما السير جهة اليسار فيؤدي إلى الممشى الخاص بشبه الجزيرة التي كانت تقف عندها منارة الإسكندرية الشهيرة.
وكانت هذه المنارة تُعد واحدة من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم. أما اليوم فإن قلعة قايتباي، التي يرجع تاريخ إنشاؤها إلى القرن الخامس عشر الميلادي، تقبع في نفس مكان المنارة القديمة.
وبجوار هذا القلعة مباشرة يدعوك نادي اليخت اليوناني لالتقاط الأنفاس والتمتع بإطلالة رائعة على الميناء، حيث تمتزج موسيقى السيرتاكي اليونانية مع رياح البحر وهدير الأمواج لينعم الجالس في شرفة المطعم الفاخر بأجواء حالمة، تذكر السائح بأن هذه المدينة تم تأسيسها على يد الإغريق، كما أنها ظلت محتفظة بطابعها اليوناني إلى أن فتحها العرب المسلمون خلال القرن السابع الميلادي.
ويعتبر المغني ديميس روسوس من أشهر الشخصيات العالمية التي ولدت وترعرعت في مدينة الإسكندرية. كما اشتهر المغني جورج موستاكي بأغنية «إسكندرية» التي يعبر فيها عن الحنين والشوق لمسقط رأسه عندما ترك مدينة الثغر الباسم وهاجر إلى فرنسا.
أجواء رومانسية
وفي الفترة التي ترك فيها جورج موستاكي المدينة كانت الحياة في الإسكندرية تمتاز بأجواء رومانسية ساحرة، قبل أن تغطى عليها جحافل سيارات الأجرة ماركة «لادا» الرديئة والمطلية باللون الأصفر والأسود، وما يصدر عنها من انبعاثات ضارة بالبيئة والصحة.
ولكن على الجانب الآخر يفوح عبق الماضي من المقاهي الشهيرة مثل «تريانون»، بالإضافة إلى الكثير من المقاهي الصغيرة الأخرى، حيث يجلس الرجال يتجاذبون أطراف الحديث ويدخنون النرجيلة، أو ما يُعرف في مصر باسم الشيشة.
وعلى الرغم من الاضطرابات السياسية التي تعيشها مصر حالياً، إلا أن هناك أعداد من السياح لازالت تأتي لزيارة الإسكندرية، وسط هذه الدوامة التي لا تنتهي من الاشتباكات،
مكتبة الاسكندرية
قلعة قايتباى بالاسكندرية