الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد
رُوي عن النبي أنه نهى عن الصوم بعد منتصف شهر شعبان، فقد أخرج الخمسة من
حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "إذا
انتصف شعبان، فلا تصوموا".
وقد اختلف الفقهاء في حكم الصوم بعد منتصف شهر شعبان بناء على اختلافهم في حكم هذا الحديث، والعمل به على قولين مشهورين:
1- ذهب الشافعية إلى كراهة الصوم؛ أخذًا بالنهي الوارد، ومنهم من حرَّم ذلك، وهو قول شاذ اشتهر عن ابن حزم الظاهري.
2- ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز ذلك وعدم كراهته؛ لعدم صحة الخبر عندهم.
الترجيح:
الصحيح أن صوم الإنسان بعد منتصف شهر شعبان جائز مطلقًا لا كراهة فيه؛ وذلك للوجوه الآتية:
أولاً:
أن هذا الحديث لا يصح من جهة الإسناد، وعلته تفرد العلاء عن أبيه بهذا
الحديث، وقد نبه الأئمة النقاد على ذلك أحمد والنسائي والخليلي وغيرهم.
وقال الحافظ ابن رجب في اللطائف: "وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم،
وقالوا: هو حديث منكر، منهم عبد الرحمن بن مهدي، والإمام أحمد، وأبو زرعة،
والأثرم، وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء أنكر منه، ورده بحديث (لا تقدموا
رمضان بصوم يوم ولا يومين...)".
ثانيًا: أن في متنه نكارة ومخالفة
لحديث أبي هريرة المخرج في الصحيحين، أن النبي قال: "لا تقدموا رمضان بصوم
يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه". فمنطوق الحديث يدل على
النهي عن صوم ما قبل رمضان بيوم أو يومين إلا من كانت له عادة في الصوم.
ويدل أيضًا بمفهومه على جواز صوم ما قبل ذلك في جميع الشهر، سواء أوَّله
وآخره. وهذا ظاهر جدًّا، وإن لم يكن هذا مرادًا، فما فائدة النهي عن صوم
يومين قبل رمضان؟ والحديث السابق مخالف لهذا الحديث ومعارض له.
ولا
شكَّ أن دلالة هذا الحديث مقدَّمة على حديث العلاء؛ لصحة إسناده وعدم
الاختلاف في متنه، وهو حديث محفوظ. وهذا من قرائن ووسائل الترجيح المعتبرة
حال التعارض عند أهل الأصول. ولهذا أعلَّه الإمام أحمد بهذا.
ثالثًا:
قالت عائشة: "فما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته
أكثر صيامًا منه في شعبان"[1]. وفي رواية: "ما كان رسول الله يصوم في شهر
ما كان يصوم في شعبان، كان يصومه إلا قليلاً، بل كان يصومه كله". وظاهر هذا
أن النبي كان يصوم من جميع الشهر، سواء في أوله أو آخره، ولم يكن يفرق بين
النصف الأول والنصف الثاني في الحكم.