قبل زمن طويل, كانت لي صديقة رقيقة, طيبة القلب, اسمها شمس, كانت اسم على مسمى, فقد كان لها شعر ذهبي قصير, يبدو كخيوط الشمس المضيئة, و كانت لها عينين بلون السماء الصافية في وضح النهار, و كان لها وجه ملائكي تملؤه البراءة.
كنتُ صديقتها الوحيدة, و رغم أنها لم تكن صديقتي الوحيدة, إلا أنها كانت الأفضل و الأقرب إلي, كنا نلتقي كل يوم, في مكان صغير ليس ببعيد, خصصناه للقائنا, كم من أيام قضيناها هناك, هناك توجد كل الذكريات, إلى هناك كنتُ أذهبُ كل صباح, فأجد شمس هناك بانتظاري.
و ذات ليلة دافئة من ليالي الشتاء, هرب مني النوم, و تملكني الأرق, حاولت النوم لكني لم أستطع, و عندما يئستُ من النوم, و شعرتُ أن الصبح قد اقترب, ذهبتُ إلى الشرفة, و أخذت أنتظر شروق الشمس؛ علني أحظى بمشهد رائع أبدأ به يومي, و بعد فترة شعرتُ بالنعاس, مرت بي نسمة باردة؛ فأغمضت عيني و فتحتهما, فإذا بي أجد الصباح قد أتى, و فاتني شروق الشمس, فضحكت و قلت: لا بأس, الآن أذهب لأرى الشمس الحقيقية التي تضيء حياتي.
لبستُ ملابسي, و تناولت إفطاري, و ذهبتُ سعيدة للقاء صديقتي, ذهبت إلى ذلك المكان الذي اعتدنا اللقاء فيه, لكني لم أجدها هناك بانتظاري كالعادة؛ فاستغربت, جلستُ أنتظرها, لكنها لم تأتِ, فقلقتُ عليها, لكن فكرة رائعة خطرت على بالي, فقررتُ أن أذهب إلى منزلها, و ذهبتُ إلى هناك و بسمتي تعلو وجهي, "مؤكد ستتفاجأ", لكني عندما وصلتُ كان المكان مختلفاً قليلاً, و وجدتُ الباب شبه مفتوح, و بدا أن لا أحد هناك, فسألتُ رجلاً كان واقفاً بجانب الباب:
ألا تعرفُ أين ذهبت شمس - الفتاة التي تسكن هنا مع جدتها و إخوتها - ؟ فرد علي باستغراب: من شمس؟ لا أحد يسكن هنا! فصغرت ابتسامتي, و طارت فرحتي, و حط بدلاً منها "سرب" من الدهشة و الذهول, و قلتُ: شمس, الفتاة الشقراء التي تسكن هنا, ألم ترها؟ فأجاب بنفس القدر من الذهول: قلتُ لكِ لا أحد يسكن هنا, هذا البيت مهجور منذ زمن بعيد, قبل حتى أن تولدي أنتِ. فقلتُ و عبرة تكاد أن تفر من عيني: كيف و قد جئتُ إلى هنا ذات مرة, و حضرتُ حفلاً أيضاً؟ فقال بنبرة قاسية: ربما أخطأتِ بالعنوان, أو لعلكِ كنتِ تتخيلين أو تحلمين, هيا اذهبي فلا يوجد هنا لا شمس و لا قمر. فذهبتُ و بداخلي خليط من الدهشة و الحزن و تساؤلات ليس لها أول أو آخر,أكثرها: كيف؟ كيف تكون كل تلك الأيام الحلوة, و الذكريات مجرد حلم أو خيال؟ معقول؟ أم أنها شيء آخر؟ أخذتُ أسأل كل ما أقابله, الزهور النائمة, العصافير المختبئة, حتى الثلج الذي أسير عليه, لكني لم ألقَ إجابة, فعدتُ إلى المنزل و دخلتُ غرفتي, فتحتُ النافذة, و نظرتُ إلى السماء, و قلت لها: أيتها السماء: إنكِ واسعة و كبيرة, ألم تري شمس؟ إنها تشبهُ تماماً الشمس التي أضاءتكِ, أجيبيني... فوجدتُ الغيوم قد تجمعت و حجبت عني ضوء الشمس, فأصبحت السماء مظلمة كئيبة, و كأنه يوم لم تأتِ فيه شمس.